سُورَةُ الْمَائِدَةِ فِيهَا أَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ آيَةً الْآيَةُ الْأُولَى قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ } . فِيهَا عِشْرُونَ مَسْأَلَةً : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَالَ عُلَمَاؤُنَا : قَالَ عَلْقَمَةُ : إذَا سَمِعْت : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } فَهِيَ مَدَنِيَّةٌ ، وَإِذَا سَمِعْت : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ } فَهِيَ مَكِّيَّةٌ ؛ وَهَذَا رُبَّمَا خَرَجَ عَلَى الْأَكْثَرِ . الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : رَوَى أَبُو سَلَمَةَ ، { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَمَّا رَجَعَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ قَالَ لِعَلِيٍّ : يَا عَلِيُّ ، أَشَعَرْت أَنَّهُ نَزَلَتْ عَلَيَّ سُورَةُ الْمَائِدَةِ ، وَهِيَ نِعْمَتْ الْفَائِدَةُ } . قَالَ الْإِمَامُ الْقَاضِي : هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ ، لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ اعْتِقَادُهُ ، أَمَّا أَنَّا نَقُولُ : سُورَةُ الْمَائِدَةِ نِعْمَتْ الْفَائِدَةُ فَلَا نُؤْثِرُهُ عَنْ أَحَدٍ ، وَلَكِنَّهُ كَلَامٌ حَسَنٌ . الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَالَ أَبُو مَيْسَرَةَ : فِي الْمَائِدَةِ ثَمَانِي عَشَرَةَ فَرِيضَةً . وَقَالَ غَيْرُهُ : فِيهَا { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } فِي سِتَّةَ عَشَرَ مَوْضِعًا ؛ فَأَمَّا قَوْلُ أَبِي مَيْسَرَةَ : إنَّ فِيهَا ثَمَانِي عَشْرَةَ فَرِيضَةً فَرُبَّمَا كَانَ أَلْفُ فَرِيضَةٍ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا نَحْنُ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ لِلْأَحْكَامِ . الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : شَاهَدْت الْمَائِدَةَ بِطُورِ زَيْتَا مِرَارًا ، وَأَكَلْت عَلَيْهَا لَيْلًا وَنَهَارًا ، وَذَكَرْت اللَّهَ سُبْحَانَهُ فِيهَا سِرًّا وَجِهَارًا ، وَكَانَ ارْتِفَاعُهَا أَسْفَلَ مِنْ الْقَامَةِ بِنَحْوِ الشِّبْرِ ، وَكَانَ لَهَا دَرَجَتَانِ قَلْبِيًّا وَجَوْفِيًّا ، وَكَانَتْ صَخْرَةً صَلْدَاءَ لَا تُؤَثِّرُ فِيهَا الْمَعَاوِلُ ، فَكَانَ النَّاسُ يَقُولُونَ : مُسِخَتْ صَخْرَةً إذْ مُسِخَ أَرْبَابُهَا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ . وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهَا كَانَتْ فِي الْأَصْلِ صَخْرَةٌ قُطِعَتْ مِنْ الْأَرْضِ مَحَلًّا لِلْمَائِدَةِ النَّازِلَةِ مِنْ السَّمَاءِ ، وَكُلُّ مَا حَوْلَهَا حِجَارَةٌ مِثْلُهَا ، وَكَانَ مَا حَوْلَهَا مَحْفُوفًا بِقُصُورٍ ، وَقَدْ نُحِتَ فِي ذَلِكَ الْحَجَرِ الصَّلْدِ بُيُوتٌ ، أَبْوَابُهَا مِنْهَا ، وَمَجَالِسُهَا مِنْهَا مَقْطُوعَةٌ فِيهَا ، وَحَنَايَاهَا فِي جَوَانِبِهَا ، وَبُيُوتُ خِدْمَتِهَا قَدْ صُوِّرَتْ مِنْ الْحَجَرِ ، كَمَا تُصَوَّرُ مِنْ الطِّينِ وَالْخَشَبِ ، فَإِذَا دَخَلْت فِي قَصْرٍ مِنْ قُصُورِهَا وَرَدَدْت الْبَابَ وَجَعَلْت مِنْ وَرَائِهِ صَخْرَةً كَثُمْنِ دِرْهَمٍ لَمْ يَفْتَحْهُ أَهْلُ الْأَرْضِ لِلُصُوقِهِ بِالْأَرْضِ ؛ فَإِذَا هَبَّتْ الرِّيحُ وَحَثَتْ تَحْتَهُ التُّرَابَ لَمْ يُفْتَحْ إلَّا بَعْدَ صَبِّ الْمَاءِ تَحْتَهُ وَالْإِكْثَارِ مِنْهُ ، حَتَّى يَسِيلَ بِالتُّرَابِ وَيَنْفَرِجَ مُنْعَرَجُ الْبَابِ ، وَقَدْ مَاتَ بِهَا قَوْمٌ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ ، وَقَدْ كُنْت أَخْلُو فِيهَا كَثِيرًا لِلدَّرْسِ ، وَلَكِنِّي كُنْت فِي كُلِّ حِينٍ أَكْنُسُ حَوْلَ الْبَابِ مَخَافَةً مِمَّا جَرَى لِغَيْرِي فِيهَا ، وَقَدْ شَرَحْت أَمْرَهَا فِي كِتَابِ " تَرْتِيبِ الرِّحْلَةِ " بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا .