عبدالرحمن بن عوف رضى الله عنه
عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة المبشرين بالجنة، و أحد الثمانية السابقين الى الإسلام ، عرض عليه أبو بكر الإسلام فما غُـمَّ عليه الأمر ولا أبطأ ، بل سارع الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- يبايعه وفور إسلامه حمل حظـه من اضطهاد المشركين ، هاجر الى الحبشة الهجـرة الأولى والثانيـة ، كما هاجر الى المدينـة مع المسلميـن وشهـد المشاهد كلها . وأحد الستة أهل الشورى الذين اختارهم عمر بن الخطاب رضى الله عنه قبل وفاته ليتولى أحدهم الخلافة من بعده ،وأحد السابقين البدريين القرشي الزهري .
وأن العشرة الذين سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبشرهم بالجنة ، نشهد لهم بالجنة ، على ما شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقوله الحق ، وهم . أبو بكر ، و عمر ، و عثمان ، و علي ، و طلحة ، و الزبير ، و سعد ، و سعيد ، و عبد الرحمن بن عوف ، و أبو عبيدة ابن الجراح ، وهو أمين هذه الأمة ، رضي الله عنهم أجمعين ) .
وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أبو بكر في الجنة ، و عمر في الجنة ، و علي في الجنة ، و عثمان في الجنة ، و طلحة في الجنة ، و الزبير بن العوام في الجنة ، و عبد الرحمن ابن عوف في الجنة ، و سعيد بن زيد بن عمرو ابن نفيل في الجنة، و أبو عبيدة بن الجراح في الجنة " . رواه الإمام أحمد في مسنده . ورواه أبو بكر بن أبي خيثمة
وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو ، وقيل عبد الكعبة ، فسمَّاه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن .
قال عنه ابن عباس : جلسنا مع عمر ، فقال: هل سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً أمر به المرءَ المسلم إذا سها في صلاته ، كيف يصنع ؟ فقلت : لا والله ، أو سمعتَ أنت يا أمير المؤمنين من رسول الله في ذلك شيئاً ؟ فقال: لا والله. فبينا نحن في ذلك أتى عبد الرحمن بن عوف فقال : فيم أنتما ؟ فقال عمر : سألتُه ، فأخبره . فقال له عبد الرحمن : لكني قد سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر في ذلك ، فقال له عمر: فأنت عندنا عدلٌ، فما سمعت؟ قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( إذا سها أحدُكم في صلاته حتى لا يدري أزاد أم نقص ، فإن كان شكَ في الواحدة و الثنتين فليجعلها واحدة ، و إذا شك في الثنتين أ والثلاث فليجعلها ثنتين ، و إذا شك في الثلاث و الأربع فليجعلها ثلاثاً حتى يكونَ الوهم في الزيادة ، ثم يسجد سجدتين ، وهو جالس ، قبل أن يسلِّم ثم يسلِّم )).
فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم و إن كانوا عدولاً فبعضهم أعدل من بعض و أثبت، فهنا عمرُ قنع بخبر عبد الرحمن ، وفي قصة الاستئذان يقول: ائت بمن يشهد معك ، وعليّ بن أبي طالب يقول : كان إذا حدثني رجل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم استحلفته ، وحدثني أبو بكر ، وصدق أبو بكر . فلم يَحتج علي أن يستحلف الصديق ، و الله أعلم.
قال المدائني : وُلد عبد الرحمن بعدعام الفيل بعشر سنين .
عن ابن اسحاق قال : كان ساقط الثنتين ، اهتم ، أعسر ، أعرج ، كان أصيب يوم أحد فهُتِمَ ، و جُرح عشرين جراحة بعضها في رجله فعرج .
قال عثمان: ما يستطيع أحدٌ أن يعتدَّ على هذا الشيخ فضلاً في الهجرتين جميعاً .
ومن مناقبه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له بالجنة ، و أنه من أهل بدر الذي قيل لهم : ( اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة ، أو فقد غفرت لكم ، أخرجه أحمد في المسند والبخاري. ومن أهل الشجرة وبيعة الرضوان الذي قال الله فيهم : { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } [ الفتح/18]
وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه . ف عن عمرو بن وهب الثقفي قال : كنا مع المغيرة بن شعبة ، فسئل : هل أم النبي صلى الله عليه وسلم أحدٌ من هذه الأمة غيرُ أبي بكر ؟ فقال : نعم . فذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ، ومسح على خُفيه و عمامته ، و أنه صلى خلفَ عبد الرحمن بن عوف ، و أنا معه، رَكعة من الصبح ، و قضينا الركعة التي سُبقن .
وعن قتادة :{ الذين يلمزون المُطوعين من المؤمنين في الصدقات } التوبة 79 . قال : تصدَق عبدُ الرحمن بن عوف بشطر ماله أربعة آلاف دينار . فقال أناسٌ من المنافقين : إن عبد الرحمن لعظيم الرياء .
وعن شقيق قال : دخل عبد الرحمن على أمِّ سلمة فقال : يا أمَّ المؤمنين ! إني أخشى أن أكون قد هلكت ، إني من أكثر قريش مالاً ، بعتُ أرضاً لي بأربعين ألف دينار . قالت : يا بنيَّ ! أنفق ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( إن من أصحابي من لن يراني بعد أن أفارقه )) فأتيتُ عمر فأخبرته ،فأتاها ، فقال : بالله أنا منهم ؟ قالت : اللهم لا ، ولن أبرئ أحداً بعدك .
وعن أبي هريرة قال : كان بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف شيء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( دعوا لي أصحابي أو أصيحابي ، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً لم يُدرك مُدَّ أحدهم ولا نَصيفه )).
وعنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( خيارُكم خيارُكم لنسائي ))، فأوصى لهنَّ عبدُ الرحمن بن عوف بحديقة قُومت بأربع مئة ألف .
ومن أفضل أعمال عبد الرحمن عزلُه نفسه من الأمر وقت الشورى ، و اختياره للأمة من أشار به أهلُ الحلِّ و العقد ، فنهض في ذلك أتمََ نهوض على جمع الأمة على عثمان ، ولو كان محابياً فيها لأخذها لنفسه، أو لولاها ابن عمه وأقرب الجماعة إليه سعد بن أبي وقاص.
لما طعن عمر ، ورأى أنه ذاهب الى ربه ، دعا علياً ، وعثمان ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبدالرحمن بن عوف ، والزبير بن العوام ( رض ى الله عنهم ) وقال لهم : ( فإذا مت فتشاوروا ثلاثة أيام ، وليصل بالناس صهيب ، ولا يأتين اليوم الرابع إلا وعليكم أمير منكم ، ويحضر عبدالله بن عمر مشيراً ولا شيء له من الأمر ، وطلحة شريككم في الأمر ، فإن قدم في الأيام الثلاثة فأحضروه معكم ، وإن مضت الأيام الثلاثة قبل قدومه فاقضوا أمركم . فإن اجتمع خمسة ورضوا رجلاً وأبى واحد فاشدخ رأسه أو أضرب رأسه بالسيف، وإن اتفق أربعة فرضوا رجلاً وأبى إثنان فاضرب رؤوسهما ، فإن رضي ثلاثة رجلاً منهم وثلاثة رجلاً منهم فحكموا عبدالله بن عمر ، فأي الفريقين حكم له فليختاروا رجلاً منهم ، فإن لم يرضوا بحكم عبدالله بن عمر ، فكونوا مع الذين فيهم عبدالرحمن بن عوف ، واقتلوا الباقين إن رغبوا عما اجتمع عليه الناس .
وقال إبراهيم بن سعد عن أبيه ، عن جده ، سمع عليَّاً يقول يوم مات عبد الرحمن بن عوف : اذهب يا ابن عوف ! فقد أدركت صفوها وسَبقتَ رنقها .الرنق : الكدر .
و عن أنس قال : رأيتُ عبد الرحمن بن عوف ، قُسم لكل امرأة من نسائه بعد موته مئة ألف.
ولما هاجر إلى المدينة فقيراً لا شيء له آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع أحد النُّقباء ، فعرض عليه أن يُشاطِرهُ نعمته ، و أن يطلِّق له أحسنَ زوجتيه ، فقال له : بارك الله لك في أهلك ومالِك ، ولكن دُلني على السوق ، فذهب فباع واشترى وربح ، ثم لم ينشب أن صار معه دراهم ، فتزوج امرأة على زِنَة نواةٍ من ذهب ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (( أولِم ولو بشاة ))، ثم آل أمره في التجارة إلى ما آل .